جيحزى
ينتهي الأصحاح الخامس من سفر الملوك الثاني نهاية مُظلمة بعد أن رأينا تطهير نعمان. فطمع جيحزي اصطدم بشدة مع تعفف أليشع. وأكاذيب جيحزي لم تنطلِ على إخلاص أليشع وصدقه. وهنا أيضًا نرى أن الله يختبر القلوب والأفكار ( مز7: 9؛ إر11: 20). إنه يميز أفكار القلب ونياته (عب4: 12). «الذي سيُنير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب» (1كو4: 5) الذي له القدرة على كشف كل رياء لأنه العليم بكل شيء.
معنى الاسم اسم عبري معناه " وادي الرؤية "
وهو اسم خادم أليشع المؤتمن. وتستخدم عدة كلمات لوصف علاقته بسيدة، فكان يطلق عليه " غلام أليشع " " خادم " أو " تابع "، وقال هو عن نفسه لأليشع " عبدك " ( 2 مل 5 : 25 ) والأرجح أنه هو المقصود " بخادمه " ( 2 مل 4 : 43 ).
1 ــ جيحزى وخدمته لاليشع :
جاء ذكر جيحزي في قصة الشونمية " (2 مل 4 : 8 – 37 ) التى أقامت " عليه " خاصة في بيتها لأليشع، وزودتها بوسائل الراحة، فكان أليشع يميل إلى هناك كلما مر بشونم. وقد دعا جيحزي ــ بناء على أمر سيدة ــ المرأة الشونمية حتى يكافئها أليشع على كرم ضياقتها. ولما لم يعرف أليشع ماذا يستطيع أن يقدم لها مكافأة على كرم محبتها، تشاور مع غلامه، الذي استطاع بسرعة بديهته أن يذكر له العطية التي يمكن أن تشبع قلب هذه السيدة العظيمة.
وعندما مات ابن هذه السيدة، خرجت لتبحث عن رجل الله في الكرمل. وفي شدة حزنها أمسكت بقدمي أليشع، فتقدم جيحزي ليدفعها ( 2 مل 4 : 27 )، ولم يكن ذلك بدافع من عدم تعاطفه مع حاجة المرأة، بقدر ما كان من رغبته في حماية سيدة مما يعتبر إزعاجا شديدا. ثم أن أليشع الذي اكتشف من نفسه، كما مما قالته له ( 2 مل 4 : 27 و 28 ) سبب حزن المرأة، أمر جيحزي ــ كخطوة أولى ــ أن يذهب توا إلى شونم ويضع عكازه على وجه الطفل الميت، وفعل جيحزي كما أمره سيدة، ولكن الطفل الميت لم يقم.
ويظهر جيحزي هنا بمظهر الخادم المطيع الكفء الغيور على مجد سيده سريع الملاحظة، صاحب المشورة النافعة في النواحي العملية.
2ـ طمع جيحزى وكذبة :
ولكن جيحزي يبدو في صورة مغايرة في قصة شفاء نعمان السرياتي ( 2 مل 5 : 20 ــ 27 )، فحالما رحل القائد السرياني من عند أليشع، لم يستطع جيحزي أن يكبح روح الشهوة فيه، التي أثارها رؤية الهدايا الثمينة التي رفضها النبي. فجرى جيحزي وراء نعمان والتمس منه باسم النبي أن يعطيه وزنه فضة ( أي ما يوازي نحو ألفي دولار ) وحلتي ثياب، مدعيا أن أليشع قد غيرا رأيه لأن غلامين فقيرين من بني الأنبياء جاءوا إلي سيدة طالبين منه المساعدة، فسنحت الفرصة لنعمان ليظهر شكره وعرفانه بجميل أليشع، وألح على جيحزي أن يأخذ وزني فضة، وأرسل معه غلامين من غلمانه ليحملاها، وعندما وصلا إلى الأكمة بجوار منزل النبي صرف جيحزي الغلامين وأخفى الكنز،
وأتى بعد ذلك بجراءة ليقف أمام سيده، الذي سأله على الفور: " من أين يا جيحزي ؟ " ولما سمع أليشع جواب جيحزي بأنه لم يذهب إلى أي مكان ( 2 مل 5 : 26 )، تأكد أليشع من صحة شكوكه فوبخه بشدة على ما صدر منه، واستجلب عليه وعلى عائلته الإصابه بذلك المرض الكريه الذي كان مصابا به الرجل الذي أخذ منه جيحزي الفضة، بكذبته المزرية، فخرج من أمامه أبرص كالثلج.
وهكذا اهتزت الثقة في جيحزي بطريقة غير متوقعة، وأسفر الخادم النشيط الغيور عن حقيقته ككاذب ولص. وقد تفرغت خطية جيحزي في اتجاهات متشعبة، فبتزبيفه للحقائق خدع نعمان وأساء إلى أليشع، فهو لم يكذب فحسب، لكنه قال كذبا عن شخص آخر هو سيدة وصديقه، ثم أساء إلى الديانة الحقيقية، فلم يكن الوقت مناسبا بالمرة أن يسمح خادم الله بأن ترتبط بعمل النبي في ذهن القائد السرياني أي فكرة تجارية بعد أن ظهرت له قوة الله بوضوح وجلاء ( 2 مل 5 : 26 )، في تظاهر فيه الكثيرون بأنهم أنبياء من أجل أرباح دنيوية. ومع أن خطية جيحزي قد تشبعت، إلا أن جذرها الأوحد كان هو الطمع " محبة المال " التي هى أصل لكل الشرور " ( 1 تى 6 : 10 ).
3ـ جيحزى يقص على الملك يهورام عظائم فعلها اليشع :
يذكر اسم جيحزي مرة أخرى ( 2 مل 8 : 1 ــ 6 ) عندما دعاه الملك يهورام ــ رغم برصة ــ ليقص عليه " جميع العظائم التى فعلها أليشع ". وفى ذلك الوقت رجعت الشونمية الى ارضها وكان ذلك بعد سبع سنين ومضت إلى الملك تصرخ إليه ليرُد لها بيتها وحقلها، ولقد وصلت إلى الملك في اللحظة التي كان فيها يتكلم مع جيحزي الذي كان لا يزال معروفاً بهذا الوصف "غلام رجل الله" ويظهر أيضاً أن ظروف جيحزي كانت قد تغيرت، فمن سنين مضت اشتهى أن يكون له "زيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوار" والآن عن طريق هذه الممتلكات تسلق درجات السلم الاجتماعي حتى صار في معية الملك. وذات يوم أراد الملك أن يتسلى بسماع "العظائم التي فعلها أليشع" فطلب من جيحزي أن يقصها عليه، فرجع جيحزي بذاكرته إلى الوراء، إلى أيام مُلازمته لرجل الله، وبدأ يقص هذه العظائم.
وفي الواقع لم تكن هذه العظائم لدى جيحزي سوى مجرد معلومات لا أكثر ولا أقل. ولا شك أن الرب استخدم جيحزي هنا وفي هذا الوقت بالذات لرَّد البيت والحقل لهذه المرأة الشونمية، كما استخدم أليشع من قبل لتترك بيتها وحقلها وتتغرب حيثما تتغرب. لكن ما أكبر الفرق بين الحالة التي استُخدم فيها كل منهما. فأليشع استُخدم وهو في تمام الشركة مع الرب، أما جيحزي فاستُخدم كشخص في معية ملك شرير. أليشع تكلم كمن له فكر الرب، أما جيحزي فكان يتكلم كلاماً أملته عليه الظروف والحوادث.
ملخص لاخطاء جيحزى
1 ـ لم يضع في اعتباره أن محبة المال أصل لكل الشرور.
2 ـ لقد استسلم لرغائبه الجسدية حُبًا في المال والثروة.
3 ـ أساء استعمال سلطة رجل الله أمام نعمان.
4 ـ كذب على النبي.
5 ـ شوَّه نعمة الله نحو شخص غير إسرائيلي.
6 ـ لم يُظهر فهمًا صحيحًا لطبيعة الأيام التي كان يعيش فيها. يا له من مصير رهيب لشخص عاش قريبًا إلى درجة كبيرة من أليشع، أن ينفصل عنه وأن يُقصى عن محضره بهذه الكيفية!
إننا نحتاج أن نُخضع رغباتنا لأفكارنا، فتسود عقولُنا على شهواتنا. وعلينا أن نحترس من الخطية القاتلة، فلا نجعل شهواتنا تهزمنا. لقد كان لجيحزي امتيازات روحية كبيرة، ولكنها لم تبعده عن الخطية، لأن الخطية كانت كامنة في قلبه. ربما تكون ساكناً بالقرب من مكان عبادة. ربما كان واحد من أهلك الأقربين رجلَ دين، لكن ذلك لا يعني أبداً أن حياتك ستكون منتصرة على الخطأ