شخصية سليمان
هو الملك الثالث لإسرائيل. كان سليمان الابن العاشر للملك داود، والابن الثاني له من بثشبع (التى كانت زوجة لأوريا الحثي).
معنى الاسم
واسم سليمان مشتق من "شالوم" العبرية ومعناها "سلام" أو "مسالم" .
ويذكر هذا الاسم نحو 300 مرة فى العهد القديم، و 12 مرة فى العهد الجديد. وعقب مولد سليمان أرسل الرب "بيد ناثان النبي ودعا اسمه يديديا" أي "المحبوب من الرب" (2صم 12: 24و 25).
سليمان يملك على إسرائيل بعد داود:
نعلم من الإصحاح الثاني والعشرين من سفر أخبار الأيام الأول أن الله كان قد أعلن لداود أن ابنه سليمان سيخلفه على العرش، ونعلم من سفر الملوك الأول (1 : 13و 17) أن داود أخبر بثشبع أم سليمان بذلك . وبعد ذلك أعلن لكل الشعب أن الله قد اختار من أبنائه الكثيرين سليمان ليجلس على كرسي المملكة (1أخ 28 : 5 ، 29 : 1).
أدونيا يحاول ان يأخذ العرش من سليمان
من الواضح أن داود لم يكن قد اتخذ أي إجراء لتنفيذ ذلك رسمياً، وقد أتاح ذلك لأدونيا – ابن داود الأكبر – أن يطمع فى تولي العرش، وقرر أن ينفذ ذلك بضربة مفاجئة، ووجد له أنصاراً من كبار رجال أبيه من أمثال يوآب قائد الجيش الذى كان له نفوذ كبير، وأبياثار الكاهن الذي كان أقرب المستشارين لداود، كما كان وجوده يضفي على الحركة طابع أنها تحظى بمباركة رجال الدين، علاوة على كثيرين غيرهما.
ودبر أدونيا أن تكون الحركة ماكرة ومفاجئة، فأدّعى أنه سيقيم حفلاً دينياً فى بقعة مقدسة عند عين روجل و "دعا جميع إخوته بني الملك وجميع رجال يهوذا عبيد الملك . وأما ناثان النبي وبناياهو والجبابرة وسليمان أخوه فلم يدعهم" (1مل 1 : 5-10).
خطة ناثان وبثشبع
نمى الخبر إلى ناثان النبي، مستشار داود الحميم، فذهب إلى بثشبع بهذه الأخبار، فرسما الخطة لدفع الملك داود للعمل فى حركة مضادة سريعة (1مل 1 : 11-27) ، ونجحت الخطة، فاستدعى الملك "صادوق الكاهن وناثان النبي وبناياهو بن يهوياداع" وأمرهم أن يمسحوا سليمان ملكاً على إسرائيل في جيحون، فقاموا بتنفيذ الأمر "وضربوا بالبوق وقال جميع الشعب ليحيى الملك سليمان" (1مل 1 : 39). وقد فاجأت هذه الحركة أنصار أدونيا على غير انتظار، ففهموا على التو عواقبها، فتفرقوا عن أدونيا "وذهبوا كل واحد فى طريقه" (1مل 1 : 49).
مكر ادونيا يقوده إلى الموت
انطلق أدونيا و"تمسك بقرون المذبح" فأنطلق سليمان سراحه على أن يسلك سلوكاً حسناً. ولكن أدونيا لم يستطع أن يكف عن سعيه للسلطة، فلجأ إلى حيلة ماكرة تبدو فى ظاهرها بريئة تماماً، فذهب إلى بثشبع، أم سليمان، على أساس أن سليمان لا يمكن أن يرفض لها طلباً، والتمس منها أن تطلب من سليمان أن يعطيه أبيشج الشونمية – حاضنة داود فى شيخوخته – زوجة (1مل 2 : 13-17).
ولم تدرك بثشبع ما وراء هذه اللعبة الماكرة، فنقلت الطلب إلى سليمان الذي أدرك اللعبة فوراً، إذ كانت العادة فى بلاد الشرق الأوسط قديماً أن من يأخذ إحدى نساء الملك، تصبح لديه حجة للمطالبة بالعرش عند موت الملك. فتصرف سليمان بسرعة وصرامة وأمر بناياهو بن يهوياداع فبطش به فمات (1مل 2 : 24و 25).
سليمان يتخلص من الذين قاموا بالانقلاب علية
لم يأمر سليمان بقتل أبياثار الكاهن لأنه كان رفيقاً لداود فى أيام شدته، وحمل تابوت الرب أمام داود، واكتفى بأن طرده عن أن يكون كاهناً للرب، وأمره أن يقيم فى عناثوث مقر عائلته (1 مل 2 : 26و 27).
أما يوآب فكان أسوأ حظاً. لقد كان من أكبر رجالات داود وقائد جيوشه، ولكنه ارتكب جرمين كبيرين، إذ قتل أبنير بن نير وعماسا بن يثر رئيسي جيوش إسرائيل (1مل 2 : 5)، وكأنه فعل هذا ولاء منه للملك داود، ولم يستطع داود أن يعاقبه، لئلا يفقد ولاء الجيش له . ولكن داود كان يعلم أنهما جريمتا قتل تستلزمان عقاب يوآب، فأوصى سليمان أن ينفذ فيه حكم العدالة (1مل 2 : 6).
أدرك يوآب أنه قد انكشف ولا يستطيع أن يحظى بعطف الشعب أو ولاء الجيش، فهرب يوآب إلى خيمة الرب وتمسك بقرون المذبح، ولكن سليمان أمر بناياهو بن يهوياداع أن يبطش به، فصدع بالأمر وقتله، ودفنه فى بيته، و "جعل الملك سليمان يناياهو بن يهوياداع مكانه على الجيش، وجعل الملك صادوق الكاهن مكان أبياثار" (1مل 2: 28-35).
وسرعان ما لقي شمعي بن جيرا البنياميني – الذي سبًّ داود الملك عند هروبه من أبشالوم ابنه – نفس هذا المصير (1مل 2 : 36-46).
وهكذا خلص المُلك لسليمان دون أي معارضة من كبار رجال بلاط الملك داود ، وأصبح فى يده أن ينظم المملكة حسبما يرى. ومن الناحية البشرية ، لم يكن هناك أي قيد أو رقيب عليه فى حكمه ،
إلا موقف الشعب منه وشرائع الله كما لخصها داود أبوه له في وصيته الأخيرة : "فتشدد وكن رجلاً . احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير فى طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب فى شريعة موسى لكي تفلح فى كل ما تفعل وحيثما توجهت . لكي يقيم الرب كلامه الذي تكلم به عني قائلاً : "إذا حفظ بنوك طريقهم وسلكوا أمامي بالأمانة من كل قلوبهم وكل أنفسهم ، قال لا يُعدم لك رجل عن كرسي إسرائيل" (1مل 2 : 2-4)
حياة سليمان الروحية كملك شاب :
حدث اختبار روحي هام فى حياة سليمان بينما كان يسجد للرب فى جبعون، وهي مرتفعة قديمة أقيمت عليها خيمة الاجتماع التى كان قد عملها موسى، على بعد بضعة أميال إلى الشمال الغربي من أورشليم (2أخ 1 : 2-5)، فظهر الله لسليمان فى حلم على شكل حوار بين الله وسليمان (1مل 3 : 5-15). وكانت المبادرة من جانب الله ، إذ سأل الله سليمان ماذا يطلب منه . وكان سليمان يعبد الله ويقدم له ذبائح . وكان المجال واسعاً جداً أمام سليمان، ولكنه سأل شيئاً واحداً على أساس ما فعله الله لداود أبيه ، وإحساس سليمان بعدم كفاءته. ففي محضر الله ، لمس الملك الشاب حاجته بوضوح واعترف بها ، فطلب من الله أ ن يمنحه حكمة بها يستطيع أن يحكم شعبه حكماً صالحاً وعادلاً.
الله يستجيب لصلاة سليمان
لقد استجاب الله لطلبته، وكان سخياً معه، فمنح سليمان حكمة، وأضاف إلى ذلك الغنى والكرامة أكثر من سائر الملوك فى أيامه، بشرط أن يسلك سليمان فى طريق الرب ويحفظ فرائضه ووصاياه كما فعل داود أبوه. وقد عبَّر سليمان عن شكره للرب بوقوفه أمام تابوت عهد الرب فى أورشليم وإصعاده محرقات وتقديم ذبائح سلامة. كما عمل وليمة عظيمة لكل عبيده (1مل 3 : 15).
سليمان يبنى هيكل للرب
وقد بُني الهيكل أساساً على نمط خيمة الشهادة التى أقامها موسي فى البرية حسب التخطيط الذى أمره به الرب، لكن مقاييس الهيكل كادت تكون ضعف مقاييس الخيمة. وكان داود قد أعطى "سليمان ابنه مثال الرواق وبيوته وخزائنه ومخادعه الداخلية وبيت الغطاء، ومثال كل ما كان عنده بالروح لديار بيت الرب ولجميع المخادع حواليه ولخزائن بيت الله وخزائن الأقداس" (1أخ 28 : 11و 12).
وقد بدأ بناء الهيكل فى السنة الرابعة للملك سليمان، وتم البناء فى سبع سنوات. وكان الهيكل يقوم فوق جبل المريا فوق قمة صخرية فى بيدر أرنان اليبوسي (2أخ 3 : 1و 2).
وبعد أن انتهى سليمان من صلاة التدشين، اشترك مع رؤسائه فى احتفالات متصلة لمدة ثمانية أيام. وفى اليوم الأخير صرف الشعب فى فرح وابتهاج. لقد كان ذلك يوماً لا يُنسي من ذاكرة الأمة.
وبعد أن انتهى سليمان من برنامج البناء، تراءى له الرب مرة أخرى وأعلن له رضاه عن الهيكل، ولكن على أساس أن الطاعة لشرائع الله شرط لازم ليتمم الله وعده لداود باستمرار نسله على العرش، ولكن العصيان يجعل الله يطرح من أمامه البيت الذي قدسه، ويدفع الشعب للسبي (2أخ 7 : 12-22).
حكمة سليمان وقلبه الرحب
ويسجل لنا الكتاب المقدس: "وأعطى الله سليمان حكمة وفهماً كثيراً جداً ورحبة قلب ... وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس ... وكان صيته فى جميع الأمم حواليه. وتكلم بثلاثة آلاف مثل. وكانت نشائده ألفاً وخمسا. وتكلم عن الأشجار من الأرز الذى فى لبنان إلى الزوفا النابت فى فى الحائط. وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان، من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته" (1مل 4 : 29-34) .
صيت سليمان يصل الى البلاد المجاوره
لقد أتت إليه ملكة سبا و "كلمته بكل ما كان بقلبها، فأخبرها سليمان بكل كلامها. لم يكن أمر مخفياً عن الملك لم يخبرها به" (1مل 10 : 1-3 ، 2أخ 9 : 1و 2). وقد ذاعت شهرة حكمة سليمان، حتى دفع الفضول ملكة سبأ إلى القيام بزيارتها المشهورة لسليمان، علاوة على الدوافع التجارية. وتدل الهدايا التى قدمتها لسليمان على ما كانت تتمتع به بلادها من غنى وثروة وموارد تجارية (1مل 10 : 10و 13 ، 2أخ 9 : 1-9و 12).
انحراف سليمان عن طريق الرب
يذكر الكتاب صراحة أن سليمان فى أواخر أيامه انحرف عن طريق الرب وعمل الشر فى عينيه، وكان السبب وراء ذلك هو تعدد زوجاته "فكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري، فأمالت نساؤه قلبه" (1مل 11 : 3) . لقد كان تعدد الزوجات شائعاً فى ذلك العصر، والكثير من هذه الزيجات كان يتم لأغراض سياسية، ولكنه كان يتعارض تماماً مع شريعة الرب التى كانت تأمر بألا يكثَّر الملك النساء لئلا يزيغ قلبه (تث 17 : 17) . وقد سمح سليمان للكثيرات من أولئك النسوة أن يعبدن آلهتهن بل بالحرى بنى لهن معابدهن، فلم يعد سليمان يبالي بالشهادة لإلهه، بينما كانت نساؤه أكثر منه اهتماماً، كل واحدة بآلهتها، فغضب الرب عليه، حتى إنه ظهر له ووبخه وأنذره بأنه فى زمن ابنه سيمزق المملكة (1مل 11 : 9-13).
رجوع سليمان للرب
وإذا كان لنا أن نستنتج شيئاً من سفر الجامعة – باعتبار أن سليمان هو كاتبه – فإننا يمكن أن نرى أن سليمان – بعد أن جاز فى فترات من الضعف والانحراف والإحباط – استطاع أن يعود إلى إيمانه بالله الواحد، وبخاصة أن جميع الكتابات المنسوبة إليه تحمل طابع التوحيد الجازم. على أيه حال لقد كانت حياته عِبرة وإنذاراً لكل الإسرائيليين فى الأجيال التالية.
اعداد القس / هانى كرم