ماذا تفعل حين يسبك الأخرون؟
رغم عودها الرفيع, وصحتها الهزيلة واصل الجلاد ضربها بشدة, وهو يكيل لها أفظع الكلمات, وأقبح الشتائم, وعندما وقف ليلتقط أنفاسه, رفعت"ليونا" عينيها لترى من يقوم بتعذيبها في احد السجون الروسية ممسكاً بكرباج, فابتسمت عندما رأته. سألها وهو يكاد يصعق:" لماذا تبتسمين"؟!.
أجابت بهدوء:" يا سيدي الجلاد إنني لا أراك كما تراك المرآة, بل أراك كما لو كنت طفلاً جميلآً بريئاً .. إننا في نفس العمر تقريباً وقد نكون رفقاء لعب سابقاً", تقول" ليونا": لقد فتح الله عيني ورأيت شيئاً مختلفاً , فرأيت الجلاد محبطاً ومرهقاً, محبطاً لأنه فشل في الحصول مني على معلومات عن أنشطة بقية المؤمنين, ومرهقاً من ضربه لي, كإرهاقي أنا من الضرب. وسمعت صوتاً إلهياً يهمس في قلبي " إن جلادك يشبهك إلى حد كبير, أنتما الإثنان شخصان في دراما الحياة, تمران عبر وادي الدموع ,وكلاكما يدافع عن ما يؤمن به" وعندما رأت "ليونا" الرجل بعيون الله فإن سلوكها قد تغير واستمرت في حديثها معه قائلة:" سيدي الجلاد إنني اراك بشكل شخص اتمنى أن تكون عليه, لقد كان شاول الطرسوسي مثلك, كان مضطهداً للمسييحيين رجالاً ونساء, وكان يكره هذا الطريق ورغم كل ذلك صار تلميذاً بل وقديساً وأعظم رسل المسيح", وبدأ روح الله يبكت الرجل الجلاد عن ما فعل, وتساءل بعد أن أصبح هادئاً, لماذا يضرب إنساناً لم يؤذه؟ بل ولم يؤذ احد؟ ومن خلال الإهتمام الملئ بالحب قادت "ليونا" جلادها إلى المسيح.
لقد تعرض الملك داود لموقف صعب, فإن" شمعي بن جيرا" رماه بالحجارة, ولعنه, واتهمه بجرائم لم يرتكبها وكان يقول في سبه"اخرج اخرج يا رجل الدماء"(صموئيل الثاني16) وكان هناك واحد من جنود داود يدعي(أبيشاي ابن صروية) على استعداد أن يقتل "شمعي" وقال للملك:"لماذا يسب هذا الكلب الميت سيدي الملك. دعني أعبر فأقطع رأسه" ولكن داود منعه قائلاً له قوله المأثور و المشهور:"ما لي ولكم يا بني صروية. دعوه يسب لأن الرب قال له سب داود ومن يقول: لماذا تفعل هكذا؟" لقد فهم داود أن الله سمح " لشمعي" أن يسبه,وأدرك داود أنه برئ مما اتهمه به شمعي, لكنه اعترف أنه كان مذنباً في خطايا أخرى لم يكن يعرفها "شمعي",وهذا ما اعترف به احد المضطهدين من رومانيا يدعى"فاليريو" الذي فقد والده وعانى هو وعائلته بشدة على أيدي الجلادين الشيوعيين ورغم كل سباب وأذي تعرضوا إليه, لم يكن عنده شئ ردئ يقوله عنهم,فقال:" لقد وصفنا الشيوعيون بأننا مخربين ونحن لسنا كذلك, ولكننا جميعنا مذنبون في أننا لسنا قديسين بالدرجة الكافية التي تجعلنا ننمو لكي نشبه المسيح, إن ردنا على الإ ساءات يجب أن لا يكون الكراهية بل الحب, إن إشعاعات المحبة والقداسة المنبثقة منا هي الوحيدة التي تدمر الشر.. وقد أحضرت شهادة هذا الرجل الكثير للمسيح وحتى يوم مماته رفض أن يقول كلمة سيئة ضد هؤلاء الذين سببوا له الألم,لذلك مكتوب" لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير"(رومية21:12).
كان" استانتون" يبغض ويهاجم الرئيس الأمريكي الأسبق"لينكولن"فقال مرة بكراهية شديدة:"إنه من الحماقة أن يذهب أحد إلى أفريقيا للسعي وراء الغوريلا في حين أن الغوريلا الأصلية يمكن أن توجد في مدينة "سبرنق فيلد" وفي ولاية"الليتوي" وكان يقصد بذلك الرئيس, ورغم ذلك صفح عنه الرئيس وعينه وزيراً للحربية لأنه الأكثر ملائمة لهذا المركز, وبعد أن ُقتل الرئيس" لينكولن" قال عنه "استانتون": إنه قائد الرجال العظام, وهكذا إنتصرت المحبة على البغضة. وما أجمل ما قاله بهذا الصدد العالم الأسود" واشنطون كارفر": " لن أدع أي إنسان يهدم حياتي ويعطل خدمتي لله بأن يدفعني لكي أكرهه"
عزيزي القارئ :لقد عانيت كما قد يعاني غيري بعد سن الأربعين من مشكلة قصر النظر" الإستجماتزم", لكن كم استفدت من إستخدام العدسات التي صححت نظري والتي لولاها ما كنا التقينا في"الطريق" من خلال هذه المقالة, إذن بدون العدسات لانرى بوضوح, وهكذا بدون التجديد الروحي والعمل الإلهي في عيون قلوبنا لرأينا فقط الأشياء السيئة في الآخرين, ولكن الله يعطي الذين يرغبون في النظرة الروحية أن يروا الإمور كما يراها الله, من منظور سماوي, فترى رئيسك الذي قد يسئ إليك أو الشخص الذي يسبك, كشخص مجروح يحتاج إلى الشفقة والمحبة, بل وسوف ترى ابنك الماهق أو ابنتك المراهقة من وراء قناع التمرد والعصيان, شخص مسكين, خائف, يحتاج إلى الأمان,و يشعر أنه مرفوض من الأخرين, يصرخ من أجل أن يقبله أحد.
وأخيراً يا صديقي هل ترى الأخرين بعيون السماء أم بعيونك الطبيعية,قد تختلف معي قائلاً: وهل المسئ إلّي يستحق الإكرام, الذي يسبني بدون سبب يستحق المحبة؟ اعتقد أنه من الصعب الإجابة على ذلك دون أن نعرف الله أولاً, ثم ماهي ماهي مشيئته ثانياً؟
نحن نعلم من تاريخ الكنيسة المضطهدة أن الله يستطيع أن يستخدم حتى أعدائنا ليقربنا إليه, فما أكرم الدور الذي يقوم به المسيئين إلينا, أما إذا تفرغنا للشتم, وقمنا بسب الذي يسبنا فإننا بذلك نحتقر مشيئة الله الذي يبغي أن يعلمنا شيئاً من وراء ذلك, وتذكر أن " جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون" (تيموثاوس الثانية12:3).
الاخ / صفوت تادرس