مساعدة الطفل على مواجهة كارثة فقدان الأحباء
يمتلك الأطفال مشاعر مرهفة الحس، لذا فهم أكثر تأثراً من الكبار بما يحيط بهم من مشاكل ومشاحنات وظروف حالكة، ويعد فقد أحد الوالدين من أصعب المصائب التى تؤثر على نفسية الطفل وتسبب له الآلام، وبالأخص عندما تحدث الوفاة بشكل مفاجئ دون سابق إنذار. ويجب أن يتم التعامل مع هذا الموقف بحذر شديد مهما يكن عمر الطفل، حيث يمكن شرح الأحداث له بطريقة تتناسب مع مفاهيمه وقدرته على الاستيعاب.
وقد يبقى الخوف والصدمة والذكرى الأليمة فى ذاكرة الطفل، وقد لا يستطيع نسيانها بسهولة، وقد تنتاب الأطفال الأكثر حساسية للمواقف حالة من التوتر تتمثل في سرعة خفقان القلب، والعرق الشديد، والدوار، وضيق التنفس، بالإضافة إلى حالات من الغضب الشديد بدون سبب واضح، وقد تظهر أعراض أخرى على الطفل كصعوبة فى النوم، حيث تتخلل أحلامه كوابيس مفزعة أويصاب بالتبول اللاإرادى، وفى هذه الحالة يمكن الاستعانة بعلاج نفسى من شأنه أن يسهم فى عودة الطفل إلى مزاولة الحياة بشكل طبيعى.
فكيف يمكن للأهل المحافظة على الأطفال والتعامل مع ذوى المشاعر الحساسة ليعبروا بهم من مرحلة حرجة إلى مرحلة أكثر أماناً تتسم بالهدوء والاستقرار النفسى؟
في البداية أود أن أوجه حديثى إلى الأهل بأن تهيئة الطفل لمثل هذه المواقف لا يتطلب حدوث كارثة خاصة بالأسرة، إنما يمكن أن تأتى التهيئة عن طريق شرح أحداث مماثلة خاصة بالأصدقاء أو الجيران وذلك حتى يدرك الصغير أن الدنيا ليست مفرحة دائماً، وإنما هي مزيج من الفرح والألم، مما يتطلب معها التحلى بروح الصبر والمثابرة على ابتلاءات الدنيا.
ومن الطبيعى أن لا يستوعب الأطفال الذين يبلغون العامين أو الثلاثة أعوام من أعمارهم الأخبار السيئة، بينما يستطيع الأطفال الذين يتجاوزون الخمس سنوات من العمر فهم موقف معين بدون أن يدركوا جيداً أبعاده، ولكن الشعور بالحزن أو الخوف أو القلق الذى تعيشه الأسرة ينتقل إلى الصغير مباشرة ولذا يجب عدم الاستغراق فى هذه المشاعر والاستسلام لها خصوصاً أمام الطفل، علماً بأن أفضل الطرق التى تعين على تجاوز هذه المحنة تتمثل في العودة السريعة إلى الحياة اليومية وتشجيع الطفل على ممارسة نشاطه الذى اعتاد عليه، والابتعاد عن توريطه فى تحمل مسؤوليات تمثل له عبئاً جسمانياً ونفسياً زائداً، إنما يمكن إسناد بعض المهام البسيطة التى تتناسب مع طبيعة عمره وقدراته.
كما يجب على الأسرة أن تراعى أيضاً النقاط التالية:
- يجب أن يتم نقل خبر الوفاة إلى الطفل بشكل تدريجي، وبما يتناسب وقدرة الطفل على فهم الموقف.
- من الطبيعى أن يشعر الطفل بالخوف والقلق من هذا الخبر، وستدور إثر ذلك فى رأسه علامات استفهام كثيرة، ولذا لا بد أن نتحدث معه كثيراً، ونمنحه الفرصة للتعبير عن رأيه والإجابة على تساؤلاته ومناقشة أفكاره، على أن يكون الحوار مناسباً لعمره.
- يفضل أن يتقارب الطفل فى هذه الحالة مع أحد المحيطين به الذى يشبه من فقده، كخالته أو جدته وذلك لتعويض فقدانه لأمه، ويقترب من خاله أو عمه أو جده أو صديق والده للتعويض عن فقدان أبيه.
- من الأفضل عدم إخبار الطفل بالتفاصيل التى قد تزرع الرعب فى داخله، إنما يفضل أن يقال إن المتوفى انتقل من عالمنا إلى عالم آخر وهو سعيد فيه ويراقب التصرفات الحسنة لمن يحب ويسعد بها، وذلك من شأنه أن يجعل الطفل يحاول دائماً أن يكون فى أفضل حال حتى يحقق السعادة لمن تركوه ورحلوا عنه إلى العالم الآخر.
- يجب عدم استبعاد الطفل عن مراسم الجنازة، وذلك لأن مشاركته تزيد من قدرته على استيعاب الموقف، ليعرف أن هذه هى النهاية ولا يعيش حالة انتظار رجوع المتوفى التي تزيد من ألمه وألم المحيطين به.
كما يؤكد المتخصصون على أنه في الحالة التي تتعرض فيها الأم لآلام ما قبل الموت يجب التعامل مع طفلها بشكل خاص جداً قبل وفاتها، وذلك لتهيئة الطفل لهذا الموقف، وذلك عن طريق إغداق الحنان عليه ورعايته والاهتمام به بشكل أكبر، وبعد حدوث الوفاة يجب إخراج الطفل من حالة الخوف من المرض حتى لا يتطور الأمر لديه ويتولد بداخله خوف مرضى من أى مرض ولو كان صغيراً، كما ينبغي إشغال الطفل باهتمامات أخرى تحقق له نجاحات وإنجازات بدلاً من انغماسه فى شعوره فى الحزن والإحباط.
نيفين عاطف مشرقى