الحياة الطاهرة
المقدمــة:
يتعلق هذا الدرس بالحياة اليومية للمؤمن. ما هو نوع الحياة المناسبة لمن أصبح من أتباع المسيح؟ ما هي الوصايا والمباديء التي عليه أن يتّبعها؟ ولمن يجب أن يكون مطيعاً؟ ماذا يحدث له حين يخطيء؟ هل يفقد الغفران والخلاص؟
(أ) الـبّر الذي يطلبه الله:
"الرب إلهنا رب واحد، فأحبّ الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل فكرك وبكل قّوتك. هذه هي الوصية الأولى. وهناك ثانية مثلها، وهي أن تحبّ قريبك كنفسك. فما من وصيّة أخرى أعظم من هاتين" (مرقس 1: 29-31). هذا ما قاله الرب يسوع حين سأله واحد من الكتبة قائلاً: "أية وصية هي أولى الوصايا جميعاً؟" وهاتان الوصيتان هما خلاصة الوصايا العشر التي جاءت في الشريعة التي أعطاها الله لموسى النبي في التوراة (خروج 20: 1-17). تحتوي هذه الوصايا العشر على:
أربع وصايا تتعلق بالله تعالى وتشدّد على ما يلي:
1. أن يكون لله سبحانه وتعالى كلّ المكان في القلب وفي الحياة.
2. ألا يصنع الانسان تمثالاً (صنما) أو يسجد له. بل يسجد لله وحده.
3. ألا ينطق باسم الرب إلهه بدون تفكير واحترام.
4. أن يُخصّص يوماً في كل أسبوع ليكون مقدساً للرب.
ستة وصايا تتعلق بالبشر وهي:
5. أكرم أباك وأمك.
6. لا تقتل.
7. لا تزن.
8. لا تسرق.
9. لا تشهد شهادة زور.
10. لا تشته ما هو لشخص آخر.
وهذه الوصايا هي مباديء إلهية لا تتغـيّر. ولكنّ المسيح علّمنا شيئاً آخر مهماً جداً، وهو أن الله يهمّه أيضاً ما يجول في فكر الانسان وفي قلبه. فإنّ الغضب الباطل يعتبر عند الله ذنباً كالقتل، والأفكار النجسة تعتبر خطيئة كالزنى. لذلك تكلّم المسيح كثيراً عن النيّات الباطنة، كما تكلّم عن الأعمال الظاهرة، وهاك بعض ما قاله المسيح:
"سمعتم أنه قيل للأقدمين: لا تقتل! ومن قتل يستحق المحاكمة. أما أنا فأقول لكم: كلّ من هو غاضب على أخيه، يستحق المحاكمة... وسمعتم أنه قيل: لا تزن! وأما أنا فأقول لكم: كل من ينظر إلى إمرأة بقصد أن يشتهيها، فقد زنى بها في قلبه! وسمعتم أنه قيل: "تحبّ قريبك، وتُبغض عدّوك. أما أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم وصلّوا لأجل الذي يضطهدونكم" (متى 21:5،22،27،28،43،44).
"ليس ما يدخل الفم يُنجّس الانسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي يُنجس الانسان... أما ما يخرج من الفم، فإنّه من القلب يصدر، وهو الذي يُنجّس الانسان. فمن القلب تنبع الأفكار الشريرة، القتل، الزنى، الفسق، السرقة، شهادة الزور، التجديف. هذه هي الأمور التي تُنجّس الانسان. وأما تناول الطعام بأيد غير مغسولة، فلا يُنجس الانسان" (متى 15: 11،18-20).
نرى أن تعليم المسيح يركّز عمَا في القلب. إنه لا يتكلّم فقط عن ظواهر الخطيئة الواضحة للجميع، بل يتكلم عن جذورها الخفيّة التي لا يراها إلا الله. إن الله يطلب طهارة القلب قبل الأعمال الصالحة. فإن كان القلب مستقيماً أمام الله، فإن الأعمال تكون صالحة ومقبولة لديه تعالى. أما إذا لم يكن القلب مستقيما، فحتى الأعمال الصالحة لا يرضى بها الله.
ولكن الواضح من كلمة الله هو أن كل إنسان، يميل بطبيعته البشرية إلى الأمور غير المستقيمة. "جميع الناس قد ضلّوا، وصاروا كلّهم بلا نفع. ليس من يمارس الصلاح، لا ولا واحد... لأن الجميع قد أخطاوا وهم عاجزون عن بلوغ ما يمجّد الله". (روما 3: 12،23).
فبسبب عجز جميع البشر، بدون استثناء، عن بلوغ ما يطلبه الله القدوس من برّ وصلاح، ولأن الله واسع الرحمة ولا حدود لمحبته، جاء المسيح إلى العالم ليحقّق للبشر ما عجزوا عن تحقيقه.
روى أحدهم نبذة عن حياته فقال: نشأت في عائلة غير مؤمنة، وبالتالي بعيدا عن معرفة الله لمعرفة الحق. ولكن بدات أميل الى الحياة المثالية، فأكثرت من الذهاب إلى دور العبادة، والصوم والصلوات، ومن الأفعال التي تُعطيني إحساسا بالرضا. وعندما بلغت مرحلة الشباب، ونزلت إلى معترك الحياة، وجدت أنها بعيدة جداً عن هذه المثالية. ونظرت إلى داخلي فرأيت صراعاً بين قوى الخير والشر، وبالطبع البقاء للأقوى. تصوّر من هو الأقوى؟ أنظر إلى داخلك أنت أيضاً: فهل ترى معي نفس هذه الحقيقة؟ أحياناً كثيرة أفعل أشياء لا أرغب فيها، بل أبغضها تماما، وضدّ مبادئي، لماذا؟ لأن الخطيئة متأصلة فيّ، ولها مكانة أكبر مما للفضيلة في حياتي، وبالتالي هي الأقوى. فصرخت نفس الصرخة القديمة: "فيا لي من إنسان تعيس! من يحررني من جسد الموت هذا؟" (روما 24:7).
الانسان من ذاته لا يستطيع أن يصل إلى مقاييس الله العالية، فالعمل الذي قام به المسيح كان كافيا: لقد مات ودفع ثمناً لا نستطيع نحن أن ندفعه. وأتى ليسكن فينا وليعطينا قوّة داخليّة لنعيش حياة جديدةز وعندما نقول روح الله القدّوس سكن فينا، نعني حياة المسيح فينا. روح الله وروح المسيح هما واحد. والنقطة المُهمّة هي أننا لا نستطيع بقوتنا القيام بأعمال حسنة، ولكن المسيح يعطينا القوة حين يسكن فينا.
(ب) الـبرّ الذي يمنحه المسيـح:
كانت الحياة التي عاشها المسيح على الأرض، حياة كلّها قداسة وصلاح وخالية من أية خطيئة. ولأن المسيح له طبيعة الله، وهو كلمة الله فهو لم يقترف أي ذنب، وهو الوحيد الذي لا يستحق أي عقاب. وبسبب محبته الفائقة تطوّع أن يقدّم نفسه للموت على الصليب فداء عن البشر الخطاة، كي ينال كل من يؤمن به، من كل شعب وقبيلة ولسان، مغفرة الخطايا والحياة الأبدية.
فالانسان، بدون الايمان بالمسيح، لا سبيل له للحصول على غفران ذنوبه. أما اذا آمن به، قبرّ الله في المسيح يصبح من نصيبه. والبّر الذي على أساسه استحقّ المسيح أن يرتفع الى حضرة الله تعالى هو نفسه يُحسب للمؤمن الذي يعتمد على المسيح للمصالحة مع الله. إذن يُعبتر الانسان المؤمن بالمسي بارّا أمام الله ليس بفضل أعماله، بل بفضل إيمانه ببّر المسيح وموته الفدائي على الصليب وقيامته المجيدة.
"فإن الذي لم يعرف خطيئة، جعله الله خطيئة لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه" (2كور 21:5) فالمسيح الذي لم يعرف خطيئة واحدة، حمل كل خطايا البشرية، وحمل ذنوب الزاني والقاتل... حتى نصير نحن الخطاة، بالايمان به، برّ الله. ليس هذا فقط بل أننا نحصل على طبيعة جديدة ترفض الشرّ الذي داخلنا وتقاوم الخطيئة. يقول الانجيل: "فإنــّه إذا كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: إن الأشياء القديمة قد زالت وها كل شيء قد صار جديداً". (2كو 17:5).
فحياة المسيحي ليست مُجرد اتباع وصايا وشرائع، بل هي حياة جديدة بقوّة روح الله القدّوس، تنتج عنها الطهارة والبر والمحبة، والأمور التي لها تأثيرها العملي الوضاح في كل نواحي حياتنا. يقول الله: "وأهبكم قلباً جديداً، وأضع في داخلكم روحاً جديدة، وأنتزع من لحمكم قلب الحجر وأعطيكم عوضاً عنه قلب لحم. وأضع روحي في داخلكم فأجعلكم تمارسون فرائضي وتطيعون أحكامي عامليه بها". (حزقيال 36: 26،27).
(ج) ماذا يعمل المؤمن إذا أخطأ؟
يجب أن نلاحظ أولاً أن هناك فرقا كبيراً بين طبيعة حياتنا قبل الايمان وبعده. ولكي نفهم ذلك نوضحه بالفرق بين طبيعة الخروف وطبيعة الخنزير، فالأول عندما يقع في الطين، يقوم سريعاً وينتفض لكي يُنظّف نفسه، ولا يرغب في البقاء في ذلك المكان القذر. أمّا الثاني، حتى لو اسّتحم، فإنّه سوف ينزل مرّة أخرى في الطين ويرقد فيه. فهذا متعته ولذّته.
إنّ الطبيعة الشريرة في أجسامنا نجسة وتنحدر بنا إلى أسفل. فما نحتاجه إذن، ليس استئصالها فحسب، بل زرع طبيعة جديدة عوضاً عن القديمة. وهذا ما يحدث عند قبولنا المسيح كمخلّص شخصي لحياتنا. لأنه يعطينا طبيعة جديدة مُقدّسة تسمو بنا إلى عالم الروحيات.
فكما ينتفض الخروف من الطين عند الوقوع فيه، كما في المثال السابق، علينا نحن كذلك أن نقوم عند وقوعنا في الخطيئة، وننتفض منها. يقول الانجيل: "يا أولادي الصغار، أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. ولكن، إن أخطأ أحدكم، فلنا عند الآب شفيع هو يسوع المسيح البارّ. فهو كفّارة لخطايانا، لا لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم كلّه" (1يوحنا 2: 1،2). لذلك يجب أن نكون أمناء مع الله، ونعترف له بخطاينا وبضعفنا ونقصنا. فهو يعرف بشريتنا، ويغفر خطايانا على أساس موت المسيح. بعد أن نعترف لله، يجب أن نثق أنـّه غفر لنا هذه الخطيئة لأنـّه قال: "إن إعترفنا لله بخطايانا فهو جدير بالثقة وعادل، يغفر لنا خطايانا ويُطهرنا من كل إثم" (1يوحنا 9:1). الغفران أكيد لكل من يؤمن بالمسيح وبموته على الصليب وقيامته. ولكن لكي نتمتع بهذا الغفران علينا أن نعترف بكل خطيئة أولاً بأول. يجب أن نأتي إلى الله طالبين الهداية قائلين: "تفحصّني يا الله واعرف قلبي امتحنّي واعرف أفكاري. وأنظرإن كان فيّ طريق سوء، واهدني الطريق الأبدي". (مزنور 139: 23،24).
يقول البعض: إنني أعترف بخطيئتي إلى الله وأصلي، ولكن أحسّ أنني ضعيف، فلماذا؟ نأتي هنا غلى نقطة مهمّة وهي الابتعاد عن مصادر الخطيئة والهروب منها.
الهـروب من الخطيئــة:
كثيراً ما أطلب إلى الله أن يُطهرني، ويعطين القّوة لكي أحيا حياة الطهارة والقداسة، وبالطبع فإنّ هذه الصلاة هي بحسب مشيئة الله. لكنذ الذي يحدث هو أنني أجد نفسي ضعيفاً أمام التجربة. لماذا؟ هل لم يسمع الله دعائي؟ هل الله بعيداً عنّي؟
إنّ الصلاة ضرورية ومُهمّة، شرط أن تكون نابعة من قلب صادق ومقرونة بحياة طاهرة. فاتجاه القلب الداخلي مهم جداً. مثال ذلك: إذا قضى أحدنا اليوم كلّه في قراءة بعض المجلات الخليعة، ومشاهدة الكثير من برامج التلفزيون الغير المفيدة، وذهب إلى الفراش في آخر اليوم متعباً، ثم طلب من الله القوة والمعونة لكي يعيش حياة الطهارة. فهل تعتقد أنّ الله سيستجيب لطلبته؟ أما أنه يحصد ما زرعته يداه خلال اليوم كلّه؟! إذا كانت رغبة قلوبنا أن نحيا حياة الطهارة فعلينا أن نهرب من الخطيئة، ومن الأساليب التي تخدعنا بها لكي تسيطر على أفكارنا وقلوبنا. إنني لست ضدّ القراءة أو اي نوع من أنواع الثقافة، ولكن كنّ حذراً يقول الإنجيل: "إنـّما أهـُرب من الشهوات الشبابية واسع وراء البـرّ والايمان والمحبة والسلام، مشاركاً الذين يدعون الرب من قلب نقيّ" (2تيمو 22:2). فقبل أن نتبع البر علينا أنّ نهرب من الشر فكريّاً وقلبياً. وبالطبع نثق انّ الرب سوف يعطينا المعونة للهرب إذا كنّا نرغب في ذلك حقاً. كلنا يعرف يوسف الصدّيق الذي حاولت إمرأة سيّده إغراءه. إنّ أول شيء فعله هو الهروب. وعندما أمسكته المرأة من ردائه، ترك لها الرداء، وكأنـّه يقول مع الانجيل: "مبغضين حتى الثياب التي يلوثونها بأجسادهم" (يهوذا 23).
مكتوب في الانجيل: "فإنّ من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فساداً. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غلاطية 8:6). إذن، فماذا ترزع في أفكارك وفي قلبك؟
يأتي إبليس أحياناً ويقول للمؤمن: "لقد سقطت في الخطيئة، فهل أنت مؤمن؟ وله أنت غبناً لله؟ هل هذا معقول؟ يحاول الشيطان طبعاً ان يشككنا في بنوتنا لله، ليرجعنا لحياة الخطيئة. لكن تذكر قول الانجيل "دم إبنه يسوع يُطهرنا من كل خطيئة" (1يوحنا 7:1). إنّ روح الإحباط تُصيبنا إذا لم نؤمن بذلك، وسيكون إبليس محقاً في كلامه. لكن نشكر الله لأجل فاعلية دم المسيح "فكم بالأحرى دم المسيح الذي قدم نفسه لله بروح أزلي ذبيحة لا عيب فها، يُطهّر ضمائرنا من الاعمال العقيمة لنعبد الله الحيّ" (عبرانيين 14:9). فالسيد المسيح قام بعمل عظيم من أجلنا، وهو كفّارة لخطايانا. ومعنى كلمة كفّارة في اللغة هو غطاء، أي أن العمل الذي قام به المسيح كان غطاء لخطايانا ونقائصنا. وهكذا يرى الله فينا صورة المسيح الكاملة. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نعبد الله عبادة حقيقية، لأننا طاهرون وبلا خطيئة في كفارة المسيح.
كذلك يشفع المسيح فينا، حتى يحافظ على الحياة الطاهرة فيناز فيقول المسيح لسمعان بطرس أحد تلاميذه: "سمعان، سمعان: ها إنّ الشيطان قد طلبكم لكي يُغربلكم كما يُغربل القمح ولكنّي تضرّعت لأجلك لكي لا يخيب إيمانك. وأنت بعد أن تُسترد ثّبت إخوتك" (لوقا 22: 31،32). إنّ صلاة المسيح التي قدّمها لأجل بطرس، هي لنا أيضاً. يقول المسيح في صلاته الشفاعية: "من أجل هؤلاء أصلي إليك. لست أصلي من أجل العالم، بل من أجل الذين وهبتهم لي... أيها الآب القدوس احفظ في اسمك الذين وهبتهم لي ليكونوا واحداً، كما نحن واحد.... ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم... وأنا لا أطلب أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير.. ولست أصلي من أجل هؤلاء فقط بل أيضاً من اجل الذين سوف يؤمنون بي بسبب كلمة هؤلاء". (يوحنا 17: 9ـ20).
لقد مات المسيح لأجل العالم، ولكن شفاعته هي من أجل المؤمنين فقط. "يا أولادي الصغار، أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. ولكن إن أخطأ أحدكم، فلنا عند الآب شفيع هو يسوع المسيح البار. فهو كفّارة لخطاينا، لا لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم كلّه". (1يوحنا 2: 1،2). لذلك يجب ألا نصاب بروح الاحباط لأن شفيعنا هو المسيح، وقد أعطانا روحه القّدوس، "فإن الله قد أعطانا لا روح الجُبن (الفشل والخوف) بل روح القوة والمحبة والبصيرة" (2تيموثاوس 7:1).
(د) ثمار البر:
ماذا يفعل غصن شجرة البرتقال مثلاً لكي يأتي بالثمر؟ لا شيء سوى أن يثبت في الأصل، من ثمّ يأتي بالثمر. هكذا نحن نحتاج أن نثبت في شجرة الحياة، الرب يسوع، أي أن تكون لنا علاقة وطيدة معه، لكي نأتي بالثمر المطلوب.
يقول المسيح: "فاثبتوا فيّ وأنا فيكم كما أنّ الغصن لا يقدر أن يتج ثمراً إلا إذا ثبت في الكرمة، فكذلك أنتم، إلا إذا ثبتم فيذ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان. من يثبت فيّ وأنا فيه، فذاك ينتج ثمراً كثيراً. فإنّكم بمعزل عنّي لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يوحنا 15: 4،5).
يظن البعض أنّهم قادرون (بعد الإيمان) على السلوك بقوتهم الذاتية، وهذا خطأ. عندما يُولد الطفل، فإنّه لا يستطيع أن يعمل شيئاً، بل يتّكل على أبويه، حتى يكبر ويتعلم. الله هو أبونا السماوي، وكما تغيّرت حياتنا بالايمان، ففي الايمان علينا أيضاً أن نسلك، أي الاتكال على مواعيد الله، وعلى قوّة روحه القدّوس الذي وهبه لنا عندما آمنا. يقول الإنجيل: "فمثلما قبلتم المسيح يسوع الرب، ففيه أسلكوا" (كولوسي 6:2). فكيف قبلنا الرب يسوع؟ بالايمان طبعاً. وأيضاً بالايمان نستطيع أن نسلك معه. وعندئذ يستطيع أحدنا أن يصرخ صرخة الظفر قائلا: "إني أستطيع كل شيء، في المسيح الذي يُقويني" (فيلبي 13:4).
"وأما ثمر الروح فهو: المحبة والفرح والسلام، وطول البال واللطف والصلاح، والأمانة والوداعة وضبط النفس. وليس من قانون يمنع مثل هذه الفضائل!" (غلاطية 5: 22،23). هذا الثمر هو من الله وفي البدء يكون مثل البراعم الصغيرة، وعندما نعطي لروح الله القّدوس الفرصة لكي يعمل في حياتنا، فإنّ هذا الثمر يكبر فينا، وبالتالي تكون حياتنا الروحية ناضجة، فنستطيع أن نُقدم المحبة في وقت الكراهية، ونظهر الوداعة للذين يسيئون إلينا، إلى غير ذلك. وهذا يحتاج منّا أن نُقوي شركتنا مع الله حتى ننير للآخرين ونثمر لمجده تعالى.
إن حياة المؤمن الحقيقي هي حياة النمو الروحي. فمن يتبع المسيح يحب أن يسلك كما سلك ربه وسيده ومخلصه يسوع المسيح. ولا يقتصر الأمر على اقتداء المؤمن بالمسيح، بل إن روح المسسيح، أي الروح القدس، يحيا فيه ويعمل في قلبه لتكون له ثمار البر، إذا أطاع كل وصاياه وتعاليمه. نعم، هذا أمر جليل وجميل جداً. فما علينا إلا أن نسلم أنفسنا له ونطيعه في كل شيء وأن يكون لنا اتصال دائم معه بواسطة الصلاة ودراسة الكتاب المقدس. وستكون النتيجة هي ثمار البر في حياتنا. وأما بدون فلا نستطيع ذلك أبداً.