كيف أتعرف على مواهبي وشخصيتي
الحقيقة هي أنّ بعض الناس يظنّون أنّهم لا يملكون أيّة إمكانات أو قدرات، فتجدهم يندُبون حظّهم في الحياة، أو يقارنون أنفسهم بالآخرين فيحزنون ويحسدونهم ......الخ. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا
هو: هل حقّاً يوجد إنسان لم يمنحه الله أيّة إمكانات أو عطايا أو مواهب؟ اتفق الجميع بعد مناقشة مُوسَّعة أن الإجابة عن هذا السؤال هي: "بالطبع لا". فالله أعطى الكلّ عطايا رائعة وإمكانيات مُتنوِّعة، لكن ربّما تكون مشكلة الناس هي أنّهم لا يعرفون كيف يكتشفون قدراتهم، أو ربّما هم لا يعرفون كيف يوجِّهون قدراتهم وإمكاناتهم وكيف يستفيدون ويُفيدون الآخرين منها، وكيف يمكنهم أن يُنمّوها ويطوّروها ويستخدموها لخيرهم ولخير المجتمع الذي يعيشون فيه.
كيف يمكن للإنسان أن يكتشف مواهبه وقدراته؟
• كما يشعر (الإنسان) في نفسه هكذا هو!
وهذه حقيقة منطقيّة وواقعيّة، فإن استسلمتَ لمشاعر دونيّة، أو نقص، فإنّك تكون بذلك مُعرَّضا لأن تفقد ـ بحقّ ـ الإمكانات والقدرات التي منحك الله إيّاها، لذا لا تقل لنفسك: "ليس لديّ إمكانات" ، بل قُل: "إنني لا أعرف إمكانياتي!". وربّما تكون هذه هي نقطة الانطلاق والبداية الحقيقيّة. فببساطة، أنت لن تقدر على اكتشاف القدرات أو الإمكانيّات التي أعطاك إيّاها الله تعالى، إن لم تكن أصلاً تؤمن بأنّه قد خلقكَ وأنت تحمل هذه الطاقات والمواهب. لذا أُنظر للأمر من منظور إيجابيّ وصدّق أنّك خليقة مُتميّزة ورائعة من خلائق الله الممتازة. أنت تحتاج أن تكون إيجابيّاً، ولا تفشل. أُنظر للغدّ دوماً برجاءٍ وأملٍ. نعم، لا تقل: "لا أعرف وليس لديّ"، بل قُل: "لديّ الكثير وأستطيع كلّ شيء بمعونة الله"، وإن صدّقتَ ذلك فإنّه سيكون بمقدورك اكتشاف مواهبك وتنميتها واستخدامها، ومن ثمّ تُحقّق التقدُّم والنجاح.
• امتحن نفسك في نشاطات كثيرة حتّى يمكنك أن تكتشف قدراتك:
بدايةً وبهدوء، ادرس ميولك وهواياتك والأمور التي تحبّ أن تعملها وتجد نفسك فيها، اكتشفها ثم قم بتعلّمها على أصولها واصقِلها بالتعليم والتدريب والمُمارسة، كما يجب عليك أيضاً أن تمنح نفسك الفُرصة لتُجرّب بعض الأنشطة والأعمال الأخرى التي ربّما تجد أنّ ليس بإمكانك القيام بها، فربّما هناك أمراً ما بعيداً عن ذهنك أو قناعاتك، لكن عندما تُجرّبه تجد أنّ بمقدورك القيام به، أو تكتشف أنّه أضاف لحياتك قيمةً أو معنىً أو هدفاً، ممّا يُشّجعك على تبنّيه وتنميته واكتساب مهارة فيه، نعم، طوِّر نفسك وقدراتك. وكم من أناسٍ نعرفهم بدؤوا طريقاً كان بعيداً عن أذهانهم ثم وجدوا أنفسهم من خلاله، حتّى صاروا مُتميّزين ورائعين فيه.
• دعِ الآخرين يساعدونك ويقيّمونك:
يحتاج الإنسان لأن يكون حوله جماعة من الأصدقاء الأوفياء المُخلصين الذين يمكنه الوثوق بهم، وهم يمكنهم أن يساعدوه ويكونوا بمثابة مرآة صادقة وأمينة تجاهه، ينصحونه ويساعدونه ليكتشف مواهبه وقدراته، يقفون بجواره ويشجّعونه كي يتقدّم للأمام ويُتقن ما يمكنه عمله بمهارة وتميُّز. اذهب لدائرتك المُقرّبة منك من الأصدقاء واطلب مُساعدتهم ودعهم يساعدونك. اشتركوا معاً في مناقشة مفتوحة يقول كل واحد منكم للآخر نقاط القوّة التي يراها فيه، ويُدلّل عليها ويشارك كيف يمكن أن يدعّمها ويقوّيها، ومن المؤكّد أن جلسة كهذه ـ إن أحسنّا إدارتها وتوجيهها ـ ستكون خطوة رائعة على طريق اكتشافنا لمواهبنا وقُدراتنا.
• كُن نفسك ولا تكن شخصاً آخر:
بعض الناس يعانون من الداء الذي كتب عنه أحد كتّاب علم النفس المشهورين وأسماه:"داء إرضاء الآخرين!". فهم لا يعيشون قناعاتهم ومبادئهم وأفكارهم وما يؤمنون به، كما لا يعيشون أنفسهم أو شخصيّاتهم كما خلقها الله لهم، إنّما يُنكرون ذلك الحق الأصيل على أنفسهم، ويعملون دوماً على صياغة سلوكياتهم وتصرّفاتهم وقراراتهم وفقاً لِما يُرضي الناس، (وهيهات أن يرضى الناس كلّهم عنّا!)، والحياة هكذا لا يُمكن أن تُعاش، فضلاً عن أنّ صاحبها يكون عُرضةً لأزماتٍ ومُشكلاتٍ نفسيّةٍ مُدمِّرةٍ. كذلك، فالواقع يقول: إنّ الناس يحترمون صاحب المبادئ والتوجُّهات والقِيَم الثابتة، ولا يحترمون صاحب المواقف المهزوزة أو المتغيِّرة وفقاً للظروف، ولا يُقدّرون صاحب الآراء المُتقلِّبة التي تتماشى مع الأهواء والتطوُّرات! لذا احرص على سلامة علاقاتك مع الآخرين، لكن بشرط ألاّ تدعها تُقيّدك أو تتحكَّم بسلوكيّاتك وقراراتك! أي: "كُن نفسك ولا تكن شخصاً آخر!".
• اصرف أوقاتا هادئة ودوريّة مع نفسك:
كان الرب يسوع يخرج كثيراً للبراري والقِفار ـ مُنعزلاً عن الناس ـ ليختلي بنفسه، وكثيراً ما علّم تلاميذه قائلاً: "اذهبوا لموضعٍ خلاءٍ واستريحوا....". وحسناً علّمَ وحسناً فَعَل، فالإنسان السويّ والناضج يحتاج لأن يخلو بنفسه بطريقة دوريّة ليُقيّم حياته وطريقه وعلاقاته وكلّ ما يعمله. والإنسان الناضج أيضاً هو الذي لا يسمح لزحمة الحياة وسرعتها بأن تجرِفه معها وتمنعه من التوقّّف ـ من حينٍ لآخر ـ ليسأل نفسه: إلى أين أنا ماضٍ؟ هل ما أعملهُ هو الصواب؟ ما الذي حقّقتهُ من أهدافٍ وإنجازاتٍ في الفترة الزمنيّة التي مَضَت؟ وما هي الخسائر أو الإخفاقات التي اتَّسَمت بها هذه الفترة؟ ..... كيف يمكنني أن أتحرّك في الفترة القادمة، وما هي الأهداف والتوجُّهات؟ .............. الخ. والحقيقة أنّ أسئلة من هذا النوع، هي مُهمّةٌ جدّاً لتصحيح مسارِ حياة الإنسان ودفعه نحو التقدُّم والرُقيّ، وكلّما كانت الأوقات التي يجلس فيها الواحد منّا مع نفسه دوريّة مُتقارِبة، كلّما كان ذلك أمراً مُبارَكاً ورائعاً ومُعِيناً له على السير في الطريق الصحيح بكفاءة وثبات.
• حافظ دوماً على لياقتك الذهنيّة والجسديّة والروحيّة:
لابدّ لحياة الإنسان أن تكون مُتوازِنة إن هو أراد أن يحياها بلياقة وكفاءة. فلابدّ له أن ينظّم جدول حياته وبرنامجه اليومي بطريقة حكيمة ومدروسة. كأن يجعلَ وقتاً للكدّ وآخر للراحة، وقتاً للاعتزال والتركيز ووقتاً آخر لمقابلة الناس والمشاركة معهم، وقتاً لإنجاز المَهام ووقتاً آخر للقراءة والاطّلاع والتثقيف وتنمية المهارات والتدريب.... الخ، وقتاً للعمل وآخر للترفيه وتغيير الجوّ والترويح عن النفس. ومن المهمّ أيضاً أن يعمل الإنسان على تسديد احتياجاته المُتنوِّعة، الروحيّة والنفسيّة والجسديّة. فكل إنسان بحاجة لإشباع حاجته في كلّ جانب من هذه الجوانب الثلاثة حتّى لا تنهار حياته.
• اعرف الله ليُمكِنك أن تعرف نفسكَ:
نحن نذهب عادةً بسياراتنا ـ عندما يصيبها العَطَب ـ لميكانيكي سيّارات ماهر أو لشركة موثوق بها حتّى نكون مُطمّئنين أن العُطل سيتمّ إصلاحه والقِطَع الهالكة سيتمّ استبدالها بقِطَع أصليّة مضمونة الصُنع، وبطريقة سليمة تضمن لنا السّلامة والأمان الكاملَين. وعندما يصيبنا مرض ما، فإننا نسأل ونُفتّش عن أمهر طبيب مُتخصّص في الداء الذي نُعاني منه، لأن الموضوع لا يستحقُّ المغامرة، وحسناً نفعل في كِلا الأمرَين.
لكن ألا يجدُر بنا بالأَولى أن نضع حياتنا في يد الله القدير الذي خلقنا وفدانا، أليس هو أمهر وأنفع وأقدر على قيادة حياتنا والعبور بها بسلام وسط بحر الحياة المُتلاطم الأمواج؟ قال أغسطينوس لله أثناء صلاته قولاً بليغاً:"... يالله لقد خلقتنا لِذاتِك، ونفوسنا لن تجد راحتها إلاّ فيك".
إنّ معرفتنا لله، إنّما هي الخطوة الرائعة المُهمّة في طريق معرفتنا لأنفسنا، لأنّ معرفتنا لله تُنظّم حياتنا وتعيننا كي نعرف أنفسنا حقّ المعرفة. إنّ أموراً كثيرةً تجري في حياتنا ومن حولنا تُعلن لنا حقيقة واحدة راسخة، ألا وهي أننا لن نستطيع أن نقود حياتنا في طريقٍ آمنٍ وسليمٍ إن لم نكن نتمتّع بمعرفة الله بطريقة شخصيّة واختباريّة، وأمرٌ كهذا لن يحدث إن لم نأتِ لله طالبين عونه وإرشاده، مُسلِّمين كل أمور حياتنا بين يديه، واثقين أنّ من يعرف الله سيجد الحياة ويأمَن من شرّ الأيّام.