سلطانية الشحات
سمير رجل شحات مسكين عاش في عزلة، ليس له بيت وكان محتقراً من الناس، يقضي أيامه في جمع الحسنات من الناس في الشوارع وفي يده سلطانية يشحت فيها. وكان يسير ببطء شديد كالرجل العجوز من باب لباب ومن دكان لدكان ومن شارع لشارع. الشيء الوحيد الذي كان يملكه هو السلطانية القذرة، وكان يستخدمها ليس فقط في جمع الحسنات بل أيضاً ليأكل فيها ويستحم بها وينام عليها كمخدة، فهي الشيء الذي يمتلكه في الدنيا.
كان سمير يعتبر نفسه رجلاً فقيراً وغلباناً جداً، وكان يحس أنه أقل من الناس ويستحق الاحتقار والازدراء، وكان يقول دائماً: "كم أنا مسكين، ليس لي فائدة، لا أصلح لشيء، أنا غير محبوب ولم ولن يحبني أحد أبداً. أنا فقير غلبان ليس عندي شيء أستطيع أن أقدمه للآخرين، إنما لا أقدر على شيء سوى الشحاتة، أنا لا أستحق الحياة".
كانت علاقة سمير مع الآخرين يغلب عليها الخجل والانطواء وعدم الاطمئنان، وكانت تصرفاته غير لائقة، وكان كلما رأى الآخرين أحسن منه يحس بالحزن والاكتئاب والغيرة واليأس. كان يكره الآخرين لأنهم أغنياء، والأصعب من هذا أنه كان يكره نفسه لأنه فقير.
وفي يوم من الأيام أثناء جولته في الشحاتة وقف سمير أمام دكان لبيع التحف القديمة ومد يده بالسلطانية وهو يقول: "لله يا محسنين، أنا جوعان، ربنا يديلك ثواب.." فنظر إليه صاحب المحل باحتقار، لكن بعد ذلك لمح السلطانية الكبيرة القذرة الثقيلة التي كانت في يده ونظر إليها بعمق وبنوع من حب الاستطلاع، سأله: "ارني هذه السلطانية" وبدأ يفحصها بدقة، وكان سمير منتظراً وهو غضبان، وكان صاحب المحل يفحص السلطانية بدقة ويزيل الأوساخ من عليها بظفره ثم نظر إلى الشحات، وقال: "إنك شحات غريب جداً، أنت لا تحتاج إلى الحسنات لكي تعيش، أنت تقدر أن تعطي الحسنات للآخرين".
اندهش سمير وقال: "إزاي.. إيه الكلام بتاعك ده. ما تضحكش على راجل مسكين زيي. فرد عليه صاحب المحل: "مسكين!! بالعكس أنت راجل غني أنت أغنى مني أنا. اترك الشحاتة.. دي السلطانية الكبيرة بتاعتك مصنوعة من الذهب الخالص".