(14) شخصية عيسو
عندما نقرأ سفر التكوين سنقف مندهشين أمام قصة أول توأمين يذكرهما الكتاب المقدس. وهما عيسو ويعقوب اللذان ولدا من إسحق ورفقة (تكوين 25). كانا في بطن واحد وولدا في وقت واحد وتربيا في بيت واحد. لكن ما أعظم الفارق بين حياة وسلوك كل منهما ونهاية كل منهما وتقرير الكتاب عن كل منهما. يكفي أن نعرف أن الله يربط اسمه بيعقوب فيذكر عنه كثيرًا «إله يعقوب» مزمور 11،7:46)، بينما عيسو يقول عنه الله في آخر سفر في العهد القديم «أبغضت عيسو» (ملاخي 3:1).
معنى اسم عيسو
اسم عبري معناه " شعر " او " مشعر " وهو أكبر التوأمين اللذين ولدتهما رفقة " بنت بتوئيل لإسحق بن إبراهيم " (تك 25 : 24-26 ) وهو جد الأدوميين ( تك 36 : 15-19 )
وقد سمي عيسو بهذا الاسم لأنه عند ولادته " خرج الأول أحمر كله كفروة شعر فدعوا اسمه عيسو " (تك 25 : 25) وقد " تزاحم " الولدان في بطن رفقة وكلمة " تزاحم " تعنى أن كلا منهما " حشر " الآخر
( تك 25 : 22) وعند الولادة أمسك يعقوب " بعقب عيسو، فدعي اسمه يعقوب ( تك 25: 26)
1ـ عيسو رجل صيد
وكان عيسو إنساناً خبيراً بالصيد إنسان البرية أما يعقوب فكان إنساناً مستقراً يسكن الخيام وكان عيسو الابن المحبوب عند إسحق أبيه بينما كان يعقوب الابن المحبوب لرفقة وكان عيسو يقدم لأبيه بما يصنعه من أطعمة شهية من لحوم الحيوانات التي يصطادها (تك 25 : 27 و 28)
2ـ عيسو يستسلم لرغبة الجسد
وحدث يوماً ما أن جاء عيسو جائعاً بعد أن أعيته مطاردته للحيوانات في البرية ووجد أخاه يعقوب يطبخ عدساً وحالما صعدت رائحة الحساء الأحمر ( العدس ) إلى انف عيسو لم يستطع أن يكتم رغبته الشديدة إلى الطعام فقال له : " أطعمني من هذا الأحمر لأني قد أعييت " (تك 25 : 30) فهو لم يستطع أن يقاوم رائحة طبيخ العدس حتى ولو أدى ذلك إلى التخلي عن البكورية لقد تم فيه القول «إلههم بطنهم ومجده في خزيهم الذين يفتكرون في الأرضيات» (فيلبي 19:3). لا مانع من أن يأكل الإنسان ليسد جوعه وليتمتع بصحة جيدة لكن أن يصبح عبدًا لبطنه فهو بذلك يفتح الباب أمام رغباته وشهواته لتتحكم فيه وتسيطر عليه.
ومن ذلك يتضح لنا ان عيسو كان يعيش لنفسه وكل تفكيره محصور في رغباته وشهواته يريد أن يلبيها في الحال غير مهتم بما يترتب على ذلك من نتائج وربما كان شعاره: «لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت» إنه جدير بأن يدعى: «إنسان العالم» .
3ـ عيسو يتخلى عن البكورية
انتهز يعقوب فرصة جوع عيسو وطلب منه أن يبيعه بكوريته فلم يتردد عيسو في الموافقة وأيد الصفقة بالحلف له " فأعطى يعقوب عيسو خبزاً وطبيخ عدس فأكل وشرب ومضى فاحتقر عيسو البكورية " (تك 25 : 31-34)
كانت " البكورية " تتضمن الكثير كانت تمنح صاحبها شرف أن يكون رأس العائلة (تك 27 : 29) ويكون له نصيباً مضاعفاً في الميراث (تث 21 : 15-17) وكانت أفدح خسارة لعيسو أن هذا التصرف المندفع قد حرمه من شرف وراثة عهد الله لإبراهيم وإسحق بأن من نسلهما المسيا فادي البشرية .
4ـ عيسو يفقد بركة ابيه
رغم تخلي عيسو عن حق البكورية إلا أنه كان ينتظر أن يحظى ببركة أبيه إسحق باعتباره ابنه البكر لولا أن رفقة دبرت بمكر خطة لياخذ يعقوب البركة بدلا من عيسو (تك 27 : 1-10) فقد قبل يعقوب تنفيذ خطة أمه بعد أن أقنعته بها متحملة هي نتائجها (تك 27 : 13) فصنعت له أمه من جديي المعزى الأطعمة التي كان أبوه يحبها وألبسته ثياب عيسو الفاخرة التى كانت عندها في البيت وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى.
وهكذا ذهب متنكراً إلى أبيه – الذي كان قد شاخ وكلت عيناه عن النظر – وقال له : " أنا عيسو بكرك قد فعلت كما كلمتني قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك " (تك 27 :18 و 19) ولكن إسحق ارتاب في الأمر لسرعة العودة ولصوت يعقوب ولكن شكوك إسحق تبددت عندما جس يدي يعقوب ووجدهما مشعرتين كيدي عيسو أخيه فقال له : قدم لي الأكل من صيد ابني حتى تباركك نفسي فقدم له فأكل فقال له إسحق أبوه : " تقدم وقبلني يا ابني فتقدم وقبله " وباركه بركة عظيمة قائلاً له : " كن سيداً لإخوتك وليسجد لك بنو أمك ليكن لاعنوك ملعونين ومباركوك مباركين " (تك 27 : 25-29)
5ـ عيسو يندم بعد ضياع الفرصة
وما أن خرج يعقوب بعد مباركة أبيه له حتى جاء عيسو بصيده وصنع أطعمه لأبيه وجاء بها إلى قائلاً : " ليقم أبي ويأكل من صيد ابنه حتى تباركنى نفسك فإرتعد إسحق ارتعاداً عظيماً جداً " حالما اكتشف خدعة يعقوب ومع ذلك لم يسحب بركته له بل بالحري قال : " نعم ويكون مباركاً " (تك 27 : 33)
وعندما سمع عيسو ذلك " صرخ صرخة عظيمة ومرة جداً " وطلب من أبيه أن يباركه هو أيضاً ولكنه قال له : " قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك فقال ألا إن اسمه دعي يعقوب فقد تعقبني الآن مرتين أخذ بكوريتي، وهوذا الآن قد أخذ بركتي " (تك 27 : 34-36) وهنا أدرك حماقة ما فعل عندما باع لأخيه حق البكورية فندم ولذلك يقول كاتب العبرانيين : " لئلا يكون أحد زانياً أو مستبيحاً كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رُفض إذ لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها (البركة) بدموع " (عب 12 : 16 ـ 17)
ولما ألح على أبيه قال له : " ماذا أصنع إليك يا ابني ؟ هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك وبلا ندى السماء من فوق وبسيفك تعيش ولأخيك تُستعبد ولكن يكون حينما تجمح أنك تكسر نيره عن عنقك " (تك 27 : 37-40)
6ـ عيسو يتزوج بنات حث
فحقد عيسو على يعقوب وعزم على قتل يعقوب أخيه حالما يموت إسحق أبوه ووصل هذا الأمر إلى رفقة فنصحت يعقوب بالهرب إلى خاله لابان في حاران وكان عيسو قد تزوج – وهو في الأربعين من عمره – " من يهوديت ابنه بيرى الحثي وبسمةْ ابنة أيلون الحثى فكانتا مرارة نفس لإسحق ورفقة " (تك 26 : 34 و 35) " فقالت رفقة لإسحق : مللت حياتي من أجل بنات حث . إن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث مثل هؤلاء من بنات الأرض فلماذا لي حياة ؟ " (تك 27 : 46) وهكذا حصلت بسهولة على موافقة إسحق على رحيل يعقوب إلى فدان أرام ليأخذ لنفسه زوجة من بنات خاله لا بان " فدعا إسحق يعقوب " وباركه " وصرفه إلى فدان أرام (تك 28 : 1-5)0
ولما رأي عيسو ذلك وأدرك أن " بنات كنعان شريرات في عيني إسحق أبيه " ذهب و " أخذ محلة بنت اسماعيل بن إبراهيم زوجة له على نسائه " (تك 28 : 6-9)
لقد كان عيسو في صباه مندفعاً قليل البصيرة ولكن عندما تقدمت به الأيام بدا متحلياً بأخلاق كريمة فصفح عن فعله أخيه وقابله بحب وترحاب وتقابلا بعد ذلك عند موت أبيهما إسحق حيث اشتركا في دفنه (تك 35 : 29) ولا نعرف شيئاً بعد ذلك عن عيسو .
اعداد القس/ هانى كرم عطية
راعى كنيسة الايمان بمنهرى