الزواج ... استقلالية
من أكثر الآيات تناولاً حين التكلم عن الزواج هي الموجودة في متى 5:19
" لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً"
تقسم هذه الآية إلى ثلاث أقسام أساسية وهي من أهم الأمور في الزواج
• الانفصال أو الترك: ربما يعتبر هذا المصطلح من أصعب ما يقوم به الشخص عندما يفكر بالزواج, فما يخطر في البال هو ترك المنزل الذي تعود العيش فيه, سريره المفضل, والديه وإخوانه, وجميع ما كان يستمتع به داخل وخارج منزله من أصدقاء ورفاهية,
لكن هذا من الأفكار الخاطئة, إذ أن الترك هو إعلان أمام الناس أن الشخص سيبدأ حياته الجديدة مع شريكته, وعملية الإعلان تختلف من عصر لآخر, فقديما كانت العروس تُزف إلى منزل أو قرية عريسها بصحبها أهلها وسكان بلدتها حاملين الطبول مغنين طوال فترة المسير, وفي زمننا هذا أصبح الإعلان من خلال بطاقات دعوة لهذا الفرح.
وكما ذُكر أن فكرة الترك محزنة بعض الشيء, لذلك نرى البعض يبكون, لكن عليك أن تعرف أن الترك هو ثمن السعادة, ومنه يبدأ الشخص الاعتماد على ذاته, فكما أن الجنين يعتمد في أخذ الأوكسجين من أمه من خلال الحبل السري, إلا أنه يأتي الوقت الذي يُقطع فيه هذا الحبل ليبدأ رحلته المستقلة.
وهكذا من الصعب على الزواج أن يستمر بدون انفصال, لأنه سيواجه متاعب كثيرة, لأنه أن لم يبدأ الزوجان حياتهما باستقلال تام عن كلا الأهل, فذاك سيؤدي إلى تدخل الإحماء والحموات, وهنا عليك أن تفهم الفكرة بشكلها الصحيح, الاستقلالية لا تعني إهمال أو تجنب أو حتى التخلي عن الأهل, بالعكس فنحن لا ننسى فضلهم ما حيينا, لكن عليك أخذ الخطوة باتخاذ قراراتك بنفسك, ليس من الخطأ أخذ رأيهم في المواضيع المهمة, لكن اجعل القرار بالنهاية لكَ, ًوتحمل النتائج مهما كانت سيئة لتتعلم كيف تكون على قدر المسؤولية الملقاة على كتفك, وبذلك لا تجعل انفصالك ظاهرياً فقط, إنما باطنياً حتى تشعر بالارتياح تجاه أهلك وفي داخل منزلك الجديد.
• الاتصال أو الالتصاق: الانفصال والاتصال يسيران معاً جنباً إلى جنب, فالأول يلقي الضوء على الزواج وكيفية إعلانه, في حين أن الاتصال يتناول الجانب الشخصي, وليس أحدهما من دون الآخر.
كلمة التصاق تعني التحام شيئين ببعضهما, لو وضعت مادة لاصقة بين قطعتين من الورق وإن حاولت فصلهما فستضطر إلى تمزيق كلاهما, وهذا بالضبط ما يحدث عند تمزيق اتصال الزوجين, وأن كان هناك طرف ثالث أي الأولاد, فهذا سيؤدي إلى ضياعهم بالتأكيد.
من النتائج الأخرى لالتصاق هي أن الزوجين يصبحان أقرب ما يمكن لبعضهما البعض, وهذا يعد من أهم أعمال الرجل والمرأة, أهم من عمله أو مهنته خارج المنزل, وأهم من عملها داخل المنزل كربة بيت أو وظيفتها إن كانت تعمل.
من أهم ما على الزوجين أن يعرفاه هو أن أحدهما للآخر, وجميع من حولهما يأتي في المرتبة الثانية حتى الأولاد. فعلى الزوج أن يحرص على تقبيل زوجته عند قدومه إلى المنزل قبل تقبيل الأولاد, والعكس صحيح.
لاحظت إحداهن أن زوجها كان مشغول البال وحزين, بالرغم من سعادتهما لأن مولودهما الأول كان قد أوشك على القدوم, وفوجئت يوماً بسؤال زوجها:
" هل ستحبين الطفل وترتبطين به أكثر مني؟"
وللأسف فإن هذا من أكثر الأسباب المؤدية للانفصال والطلاق لأن الطفل يصبح محور حياة الأم وتنسى زوجها.
لذلك علينا أن نفهم أن معنى كلمة يلتصق هو يحب, مع أن الكتاب المقدس لم يذكر هذه الكلمة حرفياً, إنما المحبة هي التي تلصق الشريكين أحدهما بالآخر, وهذه هي المحبة التي جعلت كل من الطرفين يشارك حياته مع الآخر, وهذا ما يوصلنا إلى النقطة الأخيرة .
• وحدة الجسد أو وحدة الحال: هذه العبارة تشير إلى الجانب الجسدي من الزواج, إذ أن الإتحاد الجسدي بين الزوج والزوجة يقع ضمن إرادة الله للزواج,
يشعر الناس بالحرج عند التحدث عن هذا الموضوع, وذلك إما لأنهم يشعروا بأن الأمور الجسدية نجسة وليس لها علاقة بالله فلا داعي للتحدث عنها, أو أنها مقدسة لدرجة لا داعي للتحدث عنه,
ولكن علينا أن لا ننسى قول الرسول بولس " ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس؟" وهذا ما يطمئنا بأن الجنس هو من الله والاتحاد الجسدي بين الزوج والزوجة عزيز على قلب الله.
وعلينا أن ننتبه أن الصيرورة جسداً واحداً ليست فقط اتحاد جسدي, إنما اتحاد فكري ونفسي, فيه يتشاطر شريكين كل ما لديهما, أفكارهما, مشاعرهما, ممتلكاتهما, أفراحهما وأحزانهما, وهذا ما يعني الإتحاد روحاً ونفساً وجسداً.
قال أحدهما أنه رأى أجمل تمثيل للزواج وهو رأسين أحدهما لرجل والآخر لامرأة ملتصقين ببعضهما و تحملهما سلسلة ذهبية, لكن ما يميزهما هو أنك تراهم رأسين متقابلين, لكنهم نحتا على قطعة خشبية واحدة!!! وهذا هو ما يدل على الآية القائلة " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان" وهذا ما يؤكد فكرة الصيرورة جسداً واحداً.